لماذا القهوة اليمنية غالية؟
بصفتي منتجًا للبن في اليمن ولدي أكثر من 15 عامًا من الخبرة في هذا المجال، سأشارك معكم العوامل التي تجعل القهوة اليمنية قيمة وغالية الثمن.
القهوة اليمنية تتميز بطعمها الفريد الذي لا يُنسى، بروائح زهرية وعطرية ممزوجة بلمسات من الشوكولاتة والفانيلا. من أول رشفة، تأخذك القهوة في رحلة طويلة، وكأنك تحتسي مزيجًا من النبيذ وعصير الفواكه المغمور في الشوكولاتة الداكنة، مع لمسة منعشة. غالبًا ما أصف القهوة اليمنية المميزة بأنها مثل الألعاب النارية التي تلمع في الفم، أو كما أحب أن أسميها "الطعم ثلاثي الأبعاد". وفي نهاية الكوب، تظهر قائمة طويلة من النكهات والروائح التي تسحر عشاق القهوة وتأسر حواسهم.
المساحات الصغيرة والحيازات الزراعية المحدودة
تنمو القهوة اليمنية في المدرجات الزراعية على سفوح الجبال أو في الوديان، وتعتبر هذه المساحات محدودة للغاية. وفقًا لبعض الدراسات، قد يحتوي المدرج الواحد على حوالي 50 شجرة فقط. بسبب هذه المساحات المحدودة، تكون الكميات المنتجة صغيرة جدًا. يعتمد المزارعون اليمنيون على الأسمدة العضوية من مخلفات الحيوانات ولا يستخدمون الأسمدة الكيميائية، كما يعتمدون أساسًا على الأمطار الموسمية للري في فصلي الصيف والخريف.
عندما يحين وقت الحصاد، يعتمد المزارعون على أفراد الأسرة للمساعدة في جمع المحصول. وإذا كانت المساحة الزراعية كبيرة وعدد الأشجار كثيرًا، فقد يستعينون بعمال محليين. تختلف أجور العمال من منطقة لأخرى، حيث يحصل البعض على نسبة من المحصول تصل إلى 10% أو أكثر، بينما يتم دفع الأجور يوميًا في مناطق أخرى. إضافةً إلى ذلك، توفير وجبات الغداء والقات للعمال يشكل تحديًا كبيرًا، مما يزيد من تكاليف الإنتاج.
الطلب المرتفع والكميات المحدودة
قبل الحرب الأخيرة في اليمن، كانت لدينا بيانات دقيقة عن الصادرات إلى الدول المجاورة والعالم. تشير الإحصائيات إلى أن اليمن تنتج حوالي 12,000 طن من القهوة سنويًا، يستهلك منها 70-80% محليًا، بينما يتم تصدير حوالي 3,000 طن. من هذه الكمية، يتم تصدير 700 طن إلى الدول الغربية، خاصة الولايات المتحدة وآسيا، وخصوصًا اليابان، بينما يتم تصدير 2,000 طن إلى الدول المجاورة.
ومع استمرار الحرب التي تدخل عامها التاسع، لم تعد البيانات الدقيقة متاحة. لكن الطلب المحلي والدولي على البن اليمني يعد أحد العوامل الرئيسية التي ترفع الأسعار. اليمن هي أول من طور شجرة البن البرية وأول من قام بتحميصها وتحويلها إلى مشروب بالطريقة التي نعرفها اليوم.
العلاقة الخاصة بين المزارع والبن
يرى المزارع اليمني أن أشجار البن في مدرجاته الزراعية تمثل "منجم ذهب"، وهي جزء من تراثه وتاريخه العائلي. الكثير من أشجار البن في اليمن معمرة، وتصل أعمارها إلى 120 سنة أو أكثر، ويعتبر المزارع هذه الأشجار جزءًا من العائلة. وبسبب الإنتاج المحدود والطلب المرتفع، ترتفع أسعار البن.
فئات المنتج اليمني من القهوة
ينقسم إنتاج القهوة اليمنية إلى قسمين رئيسيين: حبوب البن الصافية والقشر. يُستهلك القشر بكميات كبيرة في المناطق الجبلية المزدحمة بالسكان حيث يعتبر المشروب الرئيسي، بينما تُستهلك حبوب البن الصافية في معظم المناطق اليمنية خلال الصباح الباكر وأحيانًا في فترة العصر. يستفيد التجار المحليون من الثمار الجافة بإنتاج حبوب البن الصافية والقشر معًا. عندما يبيع المزارع كرزات القهوة المجففة، فإنه في الواقع يبيع منتجين مدمجين، وهو أحد الأسباب التي تجعل المزارعين يطلبون سعرًا أعلى.
شبكة التجار المحليين
تُعتبر شبكة التجار المحليين جزءًا أساسيًا من تجارة البن اليمنية. هناك تاجر واحد أو أكثر في كل مجتمع زراعي، يتمتع بعلاقات وثيقة مع المزارعين. هذه الشبكة تعتمد على المصالح المشتركة التجارية والعائلية، وهي العمود الفقري لتجارة البن في اليمن. التجار في صنعاء، على سبيل المثال، يقودون هذا النشاط ويعملون بشكل أساسي مع العملاء في الدول المجاورة. هذه الشبكة الكبيرة والمعقدة، التي تربطها علاقات أسرية وقبلية ومصالح مشتركة، تضيف إلى تكلفة القهوة.
عمليات القشر والفرز
تتم عمليات القشر والفرز تقليديًا في اليمن باستخدام طواحين بسيطة لفصل القشر عن حبوب البن. في السنوات الأخيرة، بدأ بعض التجار باستخدام معدات حديثة لتنقية البن من العيوب، لكن الطريقة التقليدية تتميز بالحفاظ على القشر بحالة جيدة مما يزيد من قيمته في السوق. ومع ذلك، قد تؤدي هذه الطريقة التقليدية إلى فقدان حبوب البن الخضراء جزءًا من جودتها، حيث يتم رش الكرزات بالماء لتسهيل عملية القشر، مما قد يتسبب في وصول الرطوبة إلى الحبوب.
في المقابل، قد تؤدي الطرق الحديثة في القشر إلى إنتاج قشر بأجزاء صغيرة جدًا، مما يقلل من قيمته السوقية، لكنها تحافظ على جودة الحبوب الخضراء، على الرغم من أن ذلك قد يزيد من سعر البن.
التنوع في الفصائل وطرق الزراعة التقليدية
يتميز اليمن بتنوع جغرافي مذهل، حيث تمتد الجبال الشاهقة على طول الجزء الغربي من البلاد، من الحدود الشمالية إلى مشارف عدن المطلة على خليج عدن وبحر العرب. هذه الجبال تشكل بساطًا أخضر في فصلي الربيع والصيف وتصبح جرداء في الشتاء. بين هذه الجبال توجد وديان وهضاب خصبة، حيث تمارس القرى الزراعة منذ القدم. وقد ورثت هذه المجتمعات شجرة البن النبيلة، واختارت أفضل السلالات التي تأقلمت مع بيئتها.
وبسبب المساحات المحدودة في هذه الجبال، تم بناء المدرجات للتركيز على المحاصيل النقدية مثل القهوة والعنب والفواكه المجففة. لكن القهوة استطاعت أن تتسلل برشاقة إلى الأسواق العالمية، تاركة أثرًا لا يُنسى في كل تجربة جديدة. لقد ورث اليمنيون تقاليد وممارسات فريدة في زراعة البن، مما جعل القهوة اليمنية لا تقدر بثمن. كما أقول دائمًا، البن اليمني ليس مجرد مادة خام، بل هو منتج فاخر حتى وهو لا يزال على الشجرة، تمامًا مثل المنتجات الفاخرة الأخرى حول العالم.
الخاتمة
تعتبر القهوة اليمنية واحدة من أغلى أنواع القهوة في العالم، وذلك بسبب العوامل المتعددة التي تؤثر على إنتاجها، بما في ذلك المساحات المحدودة، تكاليف الإنتاج العالية، الطلب القوي، والعلاقة الفريدة بين المزارع وشجرة البن.